السلاح النووي الأيديولوجي.. من بوذا المبتسم إلى القنبلة المهدوية

السلاح النووي الأيديولوجي.. من بوذا المبتسم إلى القنبلة المهدوية

في لحظة فارقة من صيف عام 1974، لم تكن الهند تختبر قنبلتها النووية الأولى وحسب، بل كانت تستحضر ماضيًا روحانيًا كامنًا في ذاكرتها الحضارية. أطلقت على تجربتها النووية الاسم الرمزي: “بوذا المبتسم”، وكأنها تحاول أن تمزج الحكمة الشرقية المسالمة مع القدرة التدميرية الحديثة، أو أن تمنح فعل الموت طابعًا تأمليًا، صوفيًا، نابعًا من ذات هندوسية تتحدى الإرث الاستعماري وتعلن دخولها نادي الكبار بروح دينية لا تخلو من فخر قومي متعالٍ.

لم يكن الرد الباكستاني بعيدًا عن هذا المعنى. فعندما سعت إسلام آباد إلى امتلاك القنبلة، رُوِّج لها على نطاق واسع بوصفها “القنبلة الإسلامية”، مستندة إلى دعم خليجي واسع، وشعور جمعي بأن هذا السلاح لا يُمثل باكستان وحدها، بل العالم الإسلامي بأسره. لقد تحوّل السلاح النووي فجأة إلى رمز عقائدي، وتجاوز دوره الكلاسيكي كأداة ردع أو توازن استراتيجي.

هكذا وُلد مصطلح جديد: السلاح النووي الأيديولوجي، حيث لم تعد القنابل مجرد صراع بين دول، بل بين رؤى كونية متضادة، تتكئ على الدين، والمذهب، والهوية. وصرنا نعيش في جغرافيا نووية دينية، تَنبُت من رحم صراعات اللاهوت والسياسة، بين بوذية مستترة، وإسلامية مصطنعة، وصهيونية مرجأة، وربما قادمة شيعية تتجلى على هيئة سلاح مشبع بالفكر المهدوي المنتظر.

وأود هنا أن أُشير – بصفتي صاحب هذا التصور الاصطلاحي – إلى أنني أقترح التعامل مع هذه الظواهر ضمن إطار نظري جديد يمكن تسميته:

“الجيو-نووية الدينية” أو “الجغرافيا الجيو-نووية العقائدية”

وهي مصطلحات أطرحها في هذا السياق لأول مرة، وأدعو الباحثين والأكاديميين المهتمين بالجغرافيا السياسية والدراسات الاستراتيجية أن يتناولوها بالتحليل والنقد والبناء، لما لها من أهمية في فهم تحولات الردع، وصراعات الهوية، في ظل التسلح النووي المتسارع في مناطق الأزمات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *