«الغجر».. أبناء الريح والشمس!!

«الغجر».. أبناء الريح والشمس!!

على أطراف المدن، وبين ثنايا الغابات، وعند ضفاف الأنهار، تمضي قوافل الغجر كأنها أطياف لا تُمس، وظلال لا تستقر، يحملون في عيونهم شرارة الشمس، وفي قلوبهم هدير الريح.. يأتون ولا يأتون.. يرحلون ولا يرحلون، كأن الأرض وطن عابر، والسماء خيمة أبدية.

الغجر، هؤلاء الذين تناثروا على وجه الكوكب كأنهم نثار من نيزك قديم، لا يُعرف لهم وطن، ولا تُرسم لهم حدود.أناس لا يملكون من العالم شيئًا سوى حريتهم، ولا يحكمهم قانون إلا نداء الفطرة، ولا يعترفون بسجن اسمه «الثبات».

تراهم في رقصاتهم يشبهون اللهب، وفي موسيقاهم نحيب الصحراء وهمس الأشجار، لكن، من هم حقًا؟ وهل هم مجرد جماعة هاربة من تاريخ لم يُكتب، أم أن في أعماقهم سرًّا يخص الكون؟

تشير الروايات إلى أن أصولهم تمتد إلى شبه القارة الهندية، وأنهم في رحلة طويلة، عبروا فارس والأناضول، وتبعثرت خطاهم في أوروبا، كأن قدَرهم أن يكونوا أبناء المنافي. في كل بلد سُمّوا اسمًا: في إسبانيا «الجيبتانو»، في فرنسا «المانوش»، في أوروبا الشرقية «الرّوما»، أما في الشرق العربي فقد أُطلق عليهم «الغُجر»، أو «النّور»، أو «الزط».

ورغم اختلاف الأسماء، ظلّت صورتهم واحدة: بدوُ الروح، غرباء داخل كل وطن، أسياد الظل الذين لا يعترفون بصباح واحد أو مدينة واحدة. عاشوا على الهامش، وكتبوا تاريخهم في القصائد الشعبية والأساطير، لا في كتب المؤرخين.

الغجر ليسوا فقط موسيقيين أو راقصين، بل هم فلسفة حياة، يكرهون الجدران، يخشون القيود، يقدّسون العبور. منازلهم عربات، ومصابيحهم نجوم، ومآدبهم نيران تنبعث في العراء. يحكون القصص كما يتنفسون، وكأن ذاكرتهم لا تُسجل على ورق، بل على إيقاع الطبول.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *