
لم يكن صباح الجمعة، السابع والعشرين من يونيو 2025، سوى بداية يوم عمل بسيط لتسع عشرة فتاة من قرية صغيرة في محافظة المنوفية. صعدن إلى “ميكروباص” يحمل حلمهن اليومي في الرزق، غير مدركات أنهن على موعد مع شاحنة يقودها سائق تحوّل في لحظة إلى أداة موت، حصدت أرواحهن وخلّفت وجعًا لا يُحتمل في قلوب الأمهات والآباء.
في مثل هذه الحوادث، لا تكون السرعة وحدها أو رعونة القيادة هي القاتل، بل المخدر الذي يتسلل إلى أعصاب السائق، ويخدّر ضميره قبل أن يعطل قدرته على التقدير واتخاذ القرار.
في مواجهة هذا الخطر الخفي، نحن بحاجة إلى عيون لا تنام، تراقب وتكشف لحظات الغفلة والاضطراب قبل أن تتحول إلى كارثة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، كدرع رقمي لحماية الأبرياء على الطرقات.
الحديث في سطور البحث عن حلول جذرية لا يدور عن تحليل البول أو الدم أو اللعاب، بل عن خوارزميات ترصد الارتباك المجهري في حدقة العين، أو ذلك “اللا انتباه” الذي يدوم 300 ميلي ثانية فقط، لكنه قد يكون الدليل القاطع على تعاطي مواد مخدرة.
فكيف يعمل هذا النظام؟ ما التجارب الدولية التي نجحت في تطبيقه؟ وما البنية التقنية المطلوبة لتفعيله؟ الأهم: كيف يتحول إلى نظام ردع شامل يضع نهاية للتعاطي خلف عجلة القيادة؟
نبدأ من الأساس العلمي. الذكاء الاصطناعي لا يكتشف المادة المخدرة كيميائيًا، بل يتتبع التأثيرات العصبية والسلوكية الناتجة عنها، عبر تغيرات بصرية دقيقة مثل اتساع غير مبرر في حدقة العين أو رَمش متكرر، وسلوكيات نمطية عبارة عن حركات لا إرادية متكررة، وتأخر زمني بسيط في الاستجابة لمحفز بصري يظهر من انحراف في الانتباه، أو خلل في استقرار الرأس أو اتجاه النظر أثناء القيادة. ويمكن رصد إشارات كافية للاشتباه بداية من 30 ثانية إلى دقيقتين.