
في خضمّ عالمٍ يموج بالاضطرابات وتحديات لا تتوقف، من صراعات إقليمية تلوح في الأفق إلى تحولات عالمية تفرض واقعًا جديدًا، يبرز على الساحة المصرية نزاعٌ قانوني يمسّ جوهر الثقة ومستقبل استقرارنا الجمعي. بلاغٌ رسمي من قاضٍ مرموق ضد محامٍ معروف، ليتحول إلى قضية رأي عام، ليس فقط على منصات التواصل، بل في عمق الضمير المهني والوطني. فهل يرتفع صوتُ الاتهام ليخفت همس الحقيقة، أم أن المصلحة العليا للوطن في هذه الظروف الدقيقة تتطلب تغليب الحكمة على أي خلاف؟
البلاغ المقدم ضد المحامي عمر هريدي، ليس مجرد شكوى فردية. إنه يعكس تضاربًا حادًا بين ركيزتين أساسيتين: حماية مؤسسات الدولة وهيبتها، وحرية التعبير التي لا غنى عنها في أي مجتمع ينشد الرقي. المستشار سامح عبد الوهاب يرى في منشور هريدي «أخبارًا كاذبة» تزعزع الثقة في أركان أساسية كالقضاء والشرطة، في وقتٍ تتعاظم فيه التحديات الداخلية والخارجية، إنه بلاغٌ يستهدف، من وجهة نظر مقدِّمه، صون الدولة من التضليل الذي قد يقوض استقرارها في ظرف تاريخي بالغ الحساسية، المطالبة بتعويض مدني، والتبرع به لمؤسسة خيرية باسم قضاء مصر، يؤكدان أن الهدف يتجاوز الشخصنة إلى الدفاع عن كيان المؤسسات.
في المقابل، تشتعل منصات التواصل بدعوات التضامن مع المحامي هريدي، الأصوات ترتفع معتبرة البلاغ «استهدافًا لحرية الرأي»، ومحاولة لكتم صوت شخصية نقابية وقانونية بارزة، يرى الداعمون لهريدي أن من حق المحامي، كجزء من منظومة العدالة وكصوت للمجتمع، أن يتناول القضايا العامة، حتى لو كانت مثيرة للجدل، وأن مساحة النقد أو الاستفسار يجب أن تظل محفوظة، في عالم يتسارع فيه انتشار الأخبار والمعلومات، تبرز المخاوف من أن تتحول البلاغات القانونية إلى سيفٍ مصلت على حرية التعبير، بدل أن تكون أداةً لترسيخها بمسؤولية.
في لحظة تاريخية فارقة، حيث تتجه الأنظار إلى منطقة تعيش على صفيح ساخن، وتواجه فيها الدول تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية كبرى، يصبح السؤال الأهم: ما الذي يخدم المصلحة العامة للوطن؟
للمحامي دور وطني: يجب أن يتذكر الجميع، ولا سيما المنتسبون للمهنة القانونية، أن دورهم يتجاوز حدود الترافع إلى المساهمة في بناء مجتمع مستقر وعادل. تحري الدقة والمسؤولية في نشر المعلومات ليس خيارًا، بل واجب وطني في ظل الظروف الراهنة التي لا تحتمل أي اهتزاز لثقة المواطن في مؤسساته.
القضاء هو الملاذ: الملاذ الأخير لحل النزاعات هو القضاء. يجب أن نترك له المجال ليقول كلمته بحيادية تامة، بعيدًا عن ضغوط الرأي العام أو الحملات المتبادلة، التحقيقات القضائية هي السبيل الوحيد لكشف الحقيقة وتحديد المسؤولية، إن وُجدت.